الثلاثاء، فبراير 26، 2013

خنزير فى المنزل

كتب/ نوارة نجم



«سكت الهوا والنَّمُوس طار

والسَّبع طاطى بعينه

خليها ده النوم استار

لما الندل ياخد يومينه»

ابن عروس

إليكم قصة فلسفية:

ذهب رجل مسيحى متدين إلى القس يشكو له سوء أحواله: يا أبونا أنا باشتغل فراش بـ100 جنيه ما يأكّلوش عيش حاف، وكل واحد يتآلط عليا، والمدير راجل جبار ومفترى، مش عايز يزودنى قرش صاغ، وفاحتنى شغل، ساكن فى أوضة تلاتة متر فى مترين، مراتى سليطة، أرجع البيت ألقاها فاتحة زورها عليا، ومتخانقة مع الجارة، عندى تلات عيال شياطين، فاشلين فى المدرسة، وطلباتهم كتير، ما أعرفش أنام ساعة، هاتك يا عفرتة وتنطيط فى الأوضة، حياتى قرف، أنا قلت أجى لك قبل ما انتحر.

فطلب منه القس أن يخرج فورا ويشترى خنزيرا ويربيه فى غرفته. اندهش الرجل من ذلك الاقتراح، فأجابه القس بأن حل مشكلته فى تربية ذلك الخنزير، وطلب منه أن يرجع إليه بعد أسبوع.

مر أسبوع، وعاد الرجل والشرر يتطاير من عينيه، وهو يحدّث القس بلهجة عنيفة: تصدق أنت يابونا حتخلينى أكفر كده.. خليتنى أربى الخنزير، الوليّة اللى كنت مستحمل طولة لسانها عشان واخدة بالها منى ومن العيال طفشت، العيال كلهم جالهم المرض من قعدة الخنزير معاهم وملقحين فى السرير واستلفت عشان أجيب لهم أدوية، حتى الشغلانة الفقر اترفدت منها عشان ريحة هدومى بقت معفنة من قعدتى مع الخنزير ودلوقت خالى شغل، الأوضة أصلا صغيرة واتقلبت زريبة.. حرام عليك اللى عملته فيَّا.

فأجابه القس بهدوء: إذن، أخرج الخنزير من المنزل وعُد بعد أسبوع.

فرد عليه الرجل بتحدٍّ: حاضر.. بس يكون فى علمك زيارة الأسبوع الجاى آخر زيارة ليَّا هنا. ابتسم القس ولم يرد.

مر أسبوع، وعاد الرجل منشرحا، فقال له القس: هاه؟ عملت إيه يا ابنى؟

فأجاب الرجل بابتسامة رضا: الحمد لله... مراتى حبيبتى رجعت لى البيت، هى صحيح عصبية شوية، بس وماله نستحمل بعضينا، ما شغل البيت كله على دماغها، والعيال مجننينها، الحمد لله العيال خفّت ورجعوا يتنططوا ويعملوا دوشة، ربنا مايحرمنيش من دوشتهم أبدا، حتى المدير بتاعى الراجل الطيب الأمير، رجَّعنى الشغل، بعد ما مراتى حبيبتى غسلت لى الهدوم وحطت لى فيها كولونيا... نشكر ربنا مافيش نعمة بعد اللى أنا فيها.

***

بموجب مهمة رجل الدين، الذى من شأنه أن يساعد الناس على التقرب إلى الله، وحبه، وطاعته، وتذليل كل عقبات الحياة ومصائبها لتحقيق هذا الهدف، فإن القس تصرف بحكمة مع الرجل، خصوصا أن القس ليس رئيسا للجمهورية، ولا رئيسا للوزراء، ولا وزيرا للتضامن الاجتماعى، ولا... عضوا فى المجلس العسكرى. هو رجل دين، لا يملك للناس إلا أن يدعوهم إلى المحبة والصلاح. أما أن يقوم المجلس العسكرى بذات التصرف معنا، فهذا أمر آخر.

مش عارفة ليه يا ولاد حاسة إننا اتعمل معانا كده، بس مش من قس ولا شيخ، وإنما من نظام الحكم المتمثل فى المجلس العسكرى، حيث كان لسان حاله: عايز ديمقراطية؟ خووووووووووووووود. وجابوا لنا خنزير فى البيت.

مطالب الثورة كانت: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية.

الآن، المطلب الشعبى: طلع الخنزير من البيت.

والحقيقة أننى، ولأول مرة، أقف حائرة لا أعلم كيف أرد على من يستوقفوننى فى الطريق وهم يبتسمون بمرارة: إحنا زعلانين منكو... كده برضه اللى عملتوه فينا؟ حيمشوا إزاى دول؟ دول ولا حيمشوا بالدم. كنت أسير فى الطريق فأخْرَج رجل فى الخمسينيات من عمره رأسه من شباك سيارته مناديا: يا أستاذة نوارة... اللى شبكنا يخلّصنا. وكأننى خالة الثورة مثلا. وكأننى أنا من صوَّت لصالح الإخوان فى البرلمان، وكأننى أنا من أوصلت مرسى وشفيق للإعادة.

الجميع يلومون على وجوه عرفوها عبر الإعلام، وظنوا أنهم هم من اخترع الثورة! يا سبحان الله، حين يكون الأمر تشريفا، يُجمع الناس، وأنا معهم، على أن الثورة ليس لها قيادة، وأن قيادتها مطالبها، وحين تسوء الأحوال، يلوم كل امرئ على جار، أو قريب، أو صديق، يعلم عنه أنه كان ينزل فى مواجهات «محمد محمود»، وإنه «واد بتاع مظاهرات». وبقينا احنا اللى شبكوا وعايزينا نخلصّكو!

وهل نحن من شبكناكم لأننا تحملنا الضرب والغاز فى المظاهرات ودفنّا أصدقاءنا؟ أم شبككم من عقد صفقة مع مجموعة من الإرهابيين، وتعمد إجهاد القوى الثورية بشكل دورى، فى مواجهات عبثية، حتى لا تتمكن هذه القوى من تجميع نفسها والتفرغ للعمل السياسى؟

حقكو علينا... اعملوا اللى انتو عايزينه.



المصدر/ موقع أخبار التحرير

ليست هناك تعليقات:

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

------------------------------- يمكنك أن تشترك في القائمة البريدية -------------------------------

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner