الاثنين، يونيو 03، 2013

رسالة تعز: أيها الجنوب رجاءً انفصل بنا



في خضم ثورة سبتمبر في شمال اليمن عام 1962 كان واضحاً أن بؤرة الثورة هي جنوب الشمال "تعز"؛ منها انطلقت فكرةً وإعداداً وتخطيطاً وفيها اختمرت حتى تبناها كل أبنائها اولاً ثم انتقلت في كل الانحاء حتى تمت أركانها فأصبحت ثورةً ضد فكرالتبعية والرعوية والأبوية وضد الجنس او النسل المقدس والمحمي بهالة دينية وضد مبدأ السمع والطاعة لحكمٍ ملهم ومنزهٍ عن كل خطأ فلا مُسائلة ولا محاسبة ولا حتى مجرد إبداء رأي او انتقاد، ثورةٌ ضد كل ذلك قبل ان تكون ثورةً ضد نظام سياسي استعبادي يحكمه الرجل الواحد ولا مكان فيه للعلم ولا القانون ولا المؤسسات ولا الحقوق.

هذا كله ثابت تاريخياً ومفهوم لدى كل أبناء الشعب اليمني وكل العرب وحتى على المستوى الدولي، كما انه مفهومٌ ايضاً أنه من نفس المكان (تعز) انطلقت عام  1963 الصيحات الأولى لثورة تحرير الجنوب وعدن من الاحتلال البريطاني ومن حكم السلاطين في الجنوب الذين لا فارق بينهم وبين حكم الامام في الشمال. فكانت تعز حاضنة لهذه الثورة منذ المهد ولا شك.
والمفارقةُ ليست هنا؛ المفارقة أنه أيضاً وبنفس القدر من البديهية والمنطق معروفٌ تماماً ان آخر بؤر الإمامة والملكية كانت –وربما ظلت-متركزةً وفقط في شمال الشمال. فشمال الشمال كله صنعاء وعمران وصعدة وحجة والجوف مناطق شهدت أدمى المعارك ضد الملكية واعوانها؛ ليس فقط ضد القوات العسكرية والقبائل المسلحة وانما ايضاً والاهم ضد أبناء تلك المناطق اللصيقة بالمملكة العربية السعودية والملحقة تاريخياً بها فكراً وانتماءً وأسلوب حياة، ليس فقط ضد الثورة بل ضد فكرة الجمهورية بحد ذاتها المجَرّمة ديناً وعُرفاً هناك. ويكاد من المستحيل ان يقتنع أبناء شمال الشمال بالجمهورية فموروثهم لا يعرف إلا اماماً او ملكاً او سيداً تخضع له الرقاب ويُعلن له الولاء وتصبح في يديه كل أمور الدين والدنيا الخاصة والعامة ولا استثناء في ذلك على الاطلاق؛ كل خيراتِ البلاد ملك له البشر والحجر والشجر وكل متحركٍ وثابت. وما يتطلبه عيش بقية "الرعايا" ليس إلا هبةً وكرماً ومنحةً من جلالة الملك المعظم او ولي عهده او أحد أبناء الأسرة المالكة.
وبالنسبة لي لا استغرب ابداً كون تلك المناطق ومنذ نجاح الثورة وبعد مرور كل هذه السنوات من الثورة اولاً والوحدة تالياً؛ لا تزال خارج نطاق الدولة وبوضوحٍ أكثر فأكثر في عداءٍ دائم مع الجمهورية والوحدة وكل ما بات بديهياً وضرورياً بالنسبة للمناطق الجنوبية وفي القلب منها تعز وعدن.
والآن دعوني اطرح السؤال المنطقي والفاضح: لماذا نُقلت عاصمة شمال الشمال من تعز إلى صنعاء عام 1962؟! سؤالاً ضرورياً مُفجراً لبحورٍ من الآهات -على الأقل بالنسبة لي. تعالوا نُرتب أفكارنا مرةً أخرى: ألمتنادي ثورة 1962 بالمدنية والجمهورية بدلاً عن الإمامة والملكية والقبلية؛ فكيف يمكن ان تصبح بقدرة قادر عاصمة دولة تلك الثورة هي صنعاء المعروفة تاريخياً بأنها "عاصمة القبيلة" وتُهْجر وتُهمش عاصمة المدنية ومهد الثورة وحاضنة فكرة الوحدة "تعز"؟!
هذا السؤال لا أستطيع انا الإجابة عنه ولا حتى ثوار سبتمبر 1962 يستطيعون الإجابة؛ انما أستطيع الجزم: "أن كون صنعاء عاصمةً لدولة الثورة ودولة الجمهورية، لا علاقة له لا بالثورة ولا بالجمهورية"، وعندها لا نستطيع حتى ان نتكلم عن أي شيء اسمه "وحدة" على الاطلاق الا على سبيل كونها نكتةً هي الأخرى.
من هنا يبدو الامر واضحاً جداً أنه لا مستقبل لوطنٍ غير منسجم ومتناحر، هذا إذا سلمنا بكونه وطناً. وخلاصة ما سبق أن الحل يكمن في إيجاد صيغة تجمع انسجام ووحدة المناطق الجنوبية بما في ذلك تعز، وبمعنى أدق هي صيغة لعزل المناطق شمالية الشمال عن بقية اليمن، لضمان قيام دولة مدنية حديثة تمهيداً لتغييرٍ شاملٍ للبنية الاجتماعية لتلك المناطق وتأهيلها للحاق بدولة "المواطنة المتساوية" التي ليس فيها سلاح خارج إطار الدولة؛ ليس فيها عصبوية واعراف قبلية تلوي وتشل يد القانون؛ وليس فيها تابوهات دينية تمنح أحداً خصوصية او ميزة فوقية لأي مبرراتٍ لفظها العالم من حولنا.


بقلم/ محمد العريقي 

ليست هناك تعليقات:

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

------------------------------- يمكنك أن تشترك في القائمة البريدية -------------------------------

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner